فصل: فصل في إثبات الضرر والقيام به وبعث الحكمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في إثبات الضرر والقيام به وبعث الحكمين:

قال ابن سلمون: وإذا ترددت المرأة بشكوى ضرر زوجها بها أمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته أمره بالسكنى بين قوم صالحين ولا يلزمه أن ينقلها من سكنى البادية إلى الحاضرة، ولكن يأمره بإسكانها حيث يجاورها من يشهد لها، وكذلك إن كان في طرف الحاضرة أمره بالسكنى بها في موضع يتبين فيه حالها، وكذلك إن اشتكت الوحشة ولم تشتك الضرر فعليه أن يضمها إلى موضع مأنوس إلا أن تكون عرفت ذلك ودخلت عليه فلا يلزمه نقلها فقوله: حيث يجاورها من يشهد لها إلخ. يريد تنقل للمحل الذي يوجد فيه من يصلح للشهادة، ففي ابن عرفة عن ابن فتحون إن كانت بطرف الحاضرة وليس حولها من يرضى نقلت عنه لمن يرضى، وكذلك إن اشتكت ضرره وهي بالبادية لم يلزمه نقلها للحاضرة إلا أن لا يكون حولها من البادية من يرضى وتكون الحاضرة أقرب. وقال في المتيطية: إن ضربها ضرباً خفيفاً لغير الأدب لا قيام لها حتى يتكرر ذلك من فعله مراراً أو يكون الضرب فاحشاً إذ الضرب الخفيف لا يكاد يسلم منه الأزواج فصار كالمدخول عليه. وعن ابن القاسم قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه، وذلك إذا كان الذنب معروفاً قال: وقد شج عبد الله بن عمر زوجه صفية فلا تكون الشهادة بالضرر أو بالضرب حتى يقول الشهود إنه ضربها أو أضر بها في غير ذنب تستوجبه ثم قال: وقد ضرب الزبير أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها لكونها كانت تخرج بغير إذنه ضرباً وجيعاً فشكت بذلك إلى أبيها فقال لها: اصبري فإن الزبير رجل صالح، ولعله يكون زوجك في الآخرة فإنه بلغني أن الرجل الصالح إذا ابتكر امرأة تكون له زوجاً في الجنة اه باختصار.
وَيَثْبُتُ الإضْرَارُ بالشُّهُودِ ** أَوْ بِسَمَاعِ شَاعَ فِي الْوُجُودِ

(ويثبت الإضرار) فعل وفاعل (بالشهود) يتعلق به (أو بسماع) معطوف على ما قبله يليه (شاع) فاعله ضمير يعود على السماع (في الوجود) يتعلق بشاع والجملة صفة لسماع، ومعناه أن ضرر أحد الزوجين للآخر يثبت بأحد أمرين إما بشهادة عدلين فأكثر بمعاينتهم إياه لمجاورتهم للزوجين أو لقرابتهم منهما ونحو ذلك، وإما بالسماع الفاشي المستفيض على ألسنة الجيران من النساء والخدم وغيرهما بأن فلاناً يضر بزوجة فلانة بضرب أو شتم في غير حق أو تجويع أو عدم كلام أو تحويل وجهه عنها في فراشه كما في المتيطية قال مالك: وليس عندنا في قلة الضرر وكثرته شيء معروف.
تنبيهان:
الأول: لابد أن يضمن الشهود في الوجهين أنهم لا يعلمون أن المضر منهما رجع عن الإضرار بصاحبه وأقلع عنه وإلا لم تعمل كما في المعيار وغيره فإن ادعى الزوج أنها مكنته من نفسها بعد قيامها بالضرر وصدقته سقط حقها كانت جاهلة أو عالمة فإن ادعت الجهل لم يعذر قاله في المتيطية.
قلت: وينزل منزلة التصديق ثبوت الخلوة بينهما برضاها بعد القيام لأن القول لمدعي الوطء فيها كما يظهر ذلك من كلامها وهو ظاهر.
الثاني: لا يشترط هاهنا في شهادة السماع أن ينصوا في وثيقته عن الثقات على المشهور قاله ابن رحال بخلاف غير الضرر فلابد منه كما مر، وما ذكره هو الذي يفيده كلام المتيطية ونصها. ويجزي عند ابن القاسم عدلان على السماع الفاشي من لفيف الناس والجيران بذلك وتكثير الشهود أحب إليه هذا هو المشهور من المذهب، وبه العمل. وحكى حسين بن عاصم: إنه لا تجوز شهادة السماع إلا عن العدول إلا في الرضاع فيجوز أن يشهد العدلان عن لفيف القرابة والجيران من النساء وهو أحسن لأنه لا يحضره الرجال في الأغلب، ثم قال: ولا يجوز في السماع بالضرر شهادة النساء وحدهن لأن الطلاق من معاني الحدود فلا تجوز فيه شهادة النساء. اهـ. وانظر ما تقدم في شهادة السماع، ومفهوم النظم أنه لا يثبت بغير هذين الأمرين ولو شرطت عليه في أصل العقد أو بعده أنها مصدقة في الضرر الذي تدعيه بغير يمين، وفي ذلك تفصيل تقدم في فصل فاسد النكاح. وحاصله، إن كان بعد العقد لزم شرطها اتفاقاً وإن كان في صلب العقد فقال سحنون: أخاف أن يفسخ النكاح قبل البناء ولا تصدق فيه بعد الدخول إلا ببينة ونحوه لابن دحون، وظاهر النظم أنه الراجح لأنه جعل ثبوته بين الأمرين فقط، ولابن عبد الغفور أنه يلزمه الشرط حيث جعله لها فيه وفي الرحيل والزيارة دون المغيب، والظاهر من وثائق ابن فتحون أن المغيب كالضرر انظر ابن سلمون في فصل الشروط في النكاح، ومفهوم قولهم بغير يمين أنه بيمين يعمل بشرطها قولاً واحداً فتأمله.
وَإنْ تَكُنْ قَدْ خَالَعَتْ وَأَثْبَتَتْ ** إضْرَارَهُ فَفِي اخْتِلاَعٍ رَجَعَتْ

(وإن تكن) شرط (قد خالعت) خبر تكن (وأثبتت) معطوف على ما قبله يليه (إضراره) مفعول بأثبتت وفاعله ضمير الزوجة (ففي اختلاع) يتعلق بقوله (رجعت) والجملة جواب الشرط دخلت عليه الفاء واختلاع مصدر بمعنى المفعول أي المخالع به، والمعنى أن الزوجة إذا خالعت زوجها على شيء دفعته له ثم أثبتت بعد ذلك إضراره بها ببينة القطع أو السماع فإنها ترجع بما خالعته به إن لم يكن عند الزوج مدفع فيما أثبتته من كونه اختلى بها طائعة بعد قيامها أو كونها مكنته من نفسها أو تجريحه البينة الشاهدة بضررها ونحو ذلك، والطلاق لازم على كل حال وإذا لم يجد الزوج مدفعاً واحتج بأن الزوجة قد أشهدت في رسم الخلع أنها فعلت ذلك طيبة النفس به فلا ينتفع بذلك لأن ثبوت الإكراه يسقط حجته كما أنه لا ينتفع بمجرد دعواه أنها مكنته من نفسها بعد القيام بالضرر، وقبل عقد الخلع وإنما عليها اليمين لرد دعواه. وظاهر النظم أن لها الرجوع وإن لم تسترع قبل عقد الخلع وهو كذلك إن قامت لها بينة لم تعلمها وقت الخلع اتفاقاً، وكذا إن علمت بها على الأصح لأن ضرره يحملها على الاعتراف بالطوع، وإذا استرعت فلا حجة للزوج عليها في إسقاطه في وثيقة الخلع (خ): ولا يضرها إسقاط البينة المسترعاة على الأصح.
وبالْيَمِينِ النَّصَّ فِي المُدَوَّنَهْ ** وقَالَ قَوْمٌ مَا الْيَمِينُ بَيِّنَهْ

(وباليمين) يتعلق بمحذوف خبر عن قوله: (النص في المدونة) والباء بمعنى (مع) والتقدير والنص في المدونة رجوعها مع اليمين إن خلعها لم يكن إلا للإضرار فهي في الحقيقة يمين تهمة لأنها تتهم أن تكون دفعت ذلك عن طيب نفس أي لكراهيتها المقام معه لا للإضرار. قال ابن سلمون: وهذه اليمين ذكرها ابن فتحون في كتابه وهو على مذهب المدونة إلخ. فظاهره التعليل أنها واجبة مع رجوعها بشهادة السماع أو القطع كما هو ظاهر النظم، وأما اليمين لتكميل النصاب لكون السماع لا يستقل بدون يمين لضعفه ولكون القطع لا يصح هاهنا فيستظهر بيمين على باطن الأمر لأنهم يقولون ولا يعلمون أنه رجع إلخ. فمستفادة مما مر في فصل شهادة السماع ومن قوله فيما مر: وغالب الظن به الشهادة. فتبين أنه لابد من يمينين مع كل من الشهادتين يمين لتكميل النصاب فيما قامت بهما قبل الخلع أو بعده، وقد تقدمت، ويمين لدفع التهمة وهي المقصودة هاهنا، ولا تكون إلا عند إرادة الرجوع وهي محل الخلاف المشار له بقوله: (وقال قوم) فعل وفاعل (ما) نافية (اليمين) مبتدأ (بينه) خبره وهذا الخلاف جار على الخلاف في لحوق يمين التهمة وعدم لحوقها هذا هو الظاهر والله أعلم.
تنبيهان:
الأول: قال في المتيطية في باب الشروط: ولو أن الخلع انعقد بينهما على حميل أخذه الزوج بما أعطته الزوجة ثم انفسخ ذلك عنها لثبوت الضرر بها فقال ابن العطار وأبو عمران: يرجع الزوج على الحميل لأن الإكراه إنما ثبت للزوجة لا للحميل ولا رجوع له على الزوجة بشيء. وقال ابن الفخار وغيره: لا رجوع له على الحميل لأنه بثبوت الضرر تبين أنه تحمل للزوج بما لا يحل له أخذه فلو ألزمناه ذلك لأبحنا أكل المال بالباطل وذلك مبني على الخلاف في الحمالة بالبيع الفاسد، وجواب ابن العطار جار على مذهب أشهب لأنه أدخل الزوج في زوال عصمته لأنه يقول: لولا أنت لكنت أتوب عن ضررها وآخذ بخاطرها. وجواب ابن الفخار جار على مذهب ابن القاسم، وسواء على مذهبه علم الحميل بالضرر أو لم يعلم لأنه إن لم يعلم يقول: إنما تحملت في موضع يجب لي به الرجوع عليها، وإن علم يقول: إنما تحملت لأني علمت أن ذلك باطل لا يجب للزوج به شيء وبما لابن الفخار استمر العمل والقضاء اه من النهاية باختصار، وهو ظاهر بل صريح في أن الحمالة هنا على أنه إن أدى رجع به على المضمون عنه، وأما إن تحمل بذلك على معنى أنه إن رجعت الزوجة لثبوت ضرر ونحوه فهو الذي يغرم ذلك من ماله الخاص به فلا إشكال في لزوم ذلك كما مر عند قول الناظم ويسقط الضمان في فساد إلخ. وانظر ابن سلمون في فصل نكاح المتعة قبل إنكاح الأب ابنته الثيب، وانظر ما تقدم عن البرزلي في باب الصلح، وعبارة ابن سلمون في الطلاق ما نصه، فإن عقد الخلع على اليتيمة أو غيرها ولي أو أجنبي فلها الرجوع على زوجها والطلاق ماض وهل يرجع الزوج على الذي عقد معه الخلع إذا لم يضمن ذلك؟ أقوال. الأول: أنه يرجع عليه وإن لم يضمن له لأنه هو الذي أدخله في الطلاق وهو قول ابن القاسم، وروايته عن مالك في كتاب الصلح من المدونة وقول أصبغ في الواضحة والعتبية.
الثاني: أنه لا رجوع له عليه إلا أن يلتزم الضمان وهو ظاهر قول ابن القاسم وروايته عن مالك في إرخاء الستور، وقول ابن حبيب أيضاً. والثالث: أنه إن كان أباً أو ابناً ومن له قرابة للزوجة فهو ضامن وإلاَّ فلا، وهو قول ابن دينار وإن عقدته المرأة وضمن للزوج وليها ما يلحقه من درك في الخلع المذكور ثم ظهر ما يسقط التزامها من ثبوت ضرر أو عدم أو غير ذلك، ففي ذلك قولان: أحدهما أن الضامن يغرم ما التزمه للزوج، والثاني أنه لا شيء عليه وكذلك البيع الفاسد. اهـ. وقال في المتيطية في باب الخلع ما نصه: فإن أخذ الزوج على المرأة ضامناً فيما التزمت له من نفقة الأولاد أو أسقطته عنه، ثم أعدمت أو ثبت أنها في ولايته أخذ الزوج بإجراء النفقة على بنيه وطالب الحميل بغرم ما يرجع به عليه وهذا في العدم، وأما إن ثبت أنها في ولاية فعن ابن الماجشون أنه إن لم يعلم الزوج بسفهها فحقه على الحميل وإن لم يعلم بذلك الحميل لأنه أي الحميل دخل فيما لو شاء كشفه لنفسه، وإن كان الزوج عالماً بذلك لم يكن له سبيل إلى الحميل ولا إليها علم الحميل بذلك أم لا. لأن الزوج قصد الدخول فيما لا يصح له. وقال أصبغ في كتاب الكفالة من العتبية: يلزم الحميل ما تحمله عنها لزوجها قال: وتعقد في هذا الفصل وضمن فلان للزوج فلان غرم ما لحقه من درك فيما أسقطته فلانة عنه أو التزمت له في هذا الكتاب ضماناً لازماً لماله وذمته ألزم نفسه ذلك وقضى عليها به بعد معرفته بقدره وعلى ما ذكر من الالتزام والإسقاط والضمان طلق الزوج المذكور زوجه المذكورة على سنة الخلع وحكمه شهد إلخ. انتهى بلفظ النهاية. فهذه الوثيقة دالة على أن له الرجوع على الحميل مطلقاً حيث رجعت الزوجة عليه، وما تقدم عنها إنما هو في الحمالة لا في الحمل كما مرّ، فهما مسألتان كما تقدم، وسواء نص في الوثيقة على أن الطلاق وقع على الإلزام والإسقاط والضمان كما قال أم لا. لأن ذلك هو مقصود الزوج والنص عليه إنما هو للاحتياط. واقتصر ابن يونس وابن فتحون على قول أصبغ وكذا الونشريسي في طرر الفشتالي، وقد استبعد ابن رشد قول ابن الماجشون كما مرّ في الضمان، وذلك يدل على أن الراجح قول أصبغ كما تقدم، وهذه المسألة يكثر النزاع فيها فلذلك أطلنا فيها هاهنا وفيما تقدم والله أعلم.
كَذَا إذَا عَدْلٌ بالإضْرَارِ شَهِدْ ** فالرَّدُّ لِلْخُلْعِ مَعَ الحَلْفِ اعْتُمِدْ

(كذا) خبر لمبتدأ مضمر أي الحكم كذا، والظاهر أنه حال من ضمير اعتمد آخر البيت (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (عدل) فاعل بفعل محذوف يفسره شهد (بالإضرار) متعلق بقوله (شهد فالرد) مبتدأ (للخلع) يتعلق به وهو بمعنى المخالع به (مع الحلف) حال (اعتمد) بالبناء للمفعول خبر المبتدأ والجملة جواب الشرط وهي مؤكدة لما أفاده التشبيه على الإعراب الأول، وقوله: شهد أي بالقطع إذ السماع لا يثبت بأقل من عدلين، وقوله: مع الحلف أي لتكميل النصاب وللاستظهار ولدفع التهمة فتحلف ثلاثة أيمان أن الضرر حق وأنه ما رجع عنه إلى وقوع الخلع وأنها ما دفعت المال إلا للإضرار وهذا هو الذي يوجب ما مر ولم أقف على نظير لهذه الأيمان الثلاث، ثم إن المرأتين بمنزلة العدل في ذلك لأن النزاع في المال، وأما الطلاق فماض على كل حال كما قال:
لأنَّ ذَاكَ رَاجِعٌ لِلْمَالِ ** وَفُرْقَةٌ تَمْضي بِكُلِّ حَالِ

(لأن ذاك راجع للمال، وفرقة تمضي بكل حال). (خ): ورد المال بشهادة سماع على الضرر ويمينها مع شاهد أو امرأتين ولا يضرها إسقاط البينات المسترعاة على الأصح وبكونها بائنة لا رجعية أو لكونه يفسخ بلا طلاق أو لعيب خيار به. قال البرزلي: ويجوز الاسترعاء في الضرر ولا يحتاج إليه إلا في إسقاط اليمين خاصة. اهـ.
وَحَيْثُما الزَّوْجَةُ تُثْبِتُ الضَّرَرْ ** وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ شَرْطٌ صَدَرْ

(وحيثما) اسم شرط (الزوجة) فاعل بفعل محذوف يفسره (تثبت الضرر) مفعول به (ولم يكن) جازم ومجزوم (لها) خبرها مقدم (به) يتعلق بالاستقرار في الخبر وضميره للضرر على حذف مضاف أي ينفيه (شرط) اسمها مؤخر (صدر) صفة والجملة من لم يكن الخ حال.
قِيلَ لَهَا الطَّلاَقُ كَالْمُلْتَزِمْ ** وَقِيلَ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَكَمْ

(قيل) مبني للمجهول ونائبه الجملة المحكية بعدها التي هي قوله: (لها الطلاق) مبتدأ وخبر (كالملتزم) بفتح الزاي حال من الطلاق ومعموله محذوف أي حال كون الطلاق كالطلاق الملتزم أي المشترط في عقد النكاح والجملة من قيل ومحكيه جواب الشرط. (وقيل) معطوف على قيل الأول (بعد) يتعلق بمحذوف دل عليه ما قبله أي وقيل لها الطلاق بعد (رفعه) مضاف إليه من إضافة المصدر لمفعوله وضميره للزوج (للحكم) بفتح الكاف لغة في الحاكم يتعلق بما قبله.
وَيَزْجُرُ القَاضِي بِمَا يَشَاؤُهُ ** وَبالطَّلاَقِ إنْ يَعُدْ قَضَاؤُهُ

(ويزجر) بالنصب عطف على المصدر المذكور عملاً بقول الخلاصة:
وإن على اسم خالص فعل عطف ** تنصبه أن ثابتاً أو منحذف

ومعمول يزجر محذوف أي يزجره (القاضي) فاعل (بما) يتعلق بيزجر (يشاؤه) صلة ما (وبالطلاق) خبر مقدم (إن يعد) شرط حذف جوابه للدلالة عليه (قضاؤه) مبتدأ مؤخر ومعنى الأبيات الثلاث أن الزوجة التي في العصمة إذا أثبتت ضرر زوجها بها بشيء من الوجوه المتقدمة والحال أنها لم يكن لها بالضرر شرط في عقد النكاح من أنه إن أضرَّ بها فأمرها بيدها فقيل لها إن تطلق نفسها بعد ثبوت الضرر عند الحاكم من غير أن تستأذنه في إيقاع الطلاق المذكور أي لا يتوقف تطليقها نفسها على إذنه لها فيه، وإن كان ثبوت الضرر لا يكون إلا عنده كما أن الطلاق المشترط في عقد النكاح أي المعلق على وجود ضررها لها أن توقعه أيضاً بعد ثبوته بغير إذنه وظاهره اتفاقاً. وقيل: حيث لم يكن لها شرط به لها أن توقع الطلاق أيضاً، لكن بعد رفعها إياه للحاكم وبعد أن يزجره القاضي بما يقتضيه اجتهاده من ضرب أو سجن أو توبيخ ونحو ذلك. ولم يرجع عن إضرارها ولا تطلق نفسها قبل الرفع والزجر، وفهم من قوله: قضاؤه أن الطلاق بيد الحاكم فهو الذي يتولى إيقاعه إن طلبته الزوجة، وامتنع منه الزوج وإن شاء الحاكم أمرها أن توقعه فعلى هذا القول لابد أن يوقعه الحاكم أو يأمرها به فتوقعه، وإذا أمرها به فهي نائبة عنه في الحقيقة كما أنه هو نائب عن الزوج شرعاً حيث امتنع منه قال في عيوب الزوجين من المتيطية: فإذا ثبت ذلك العيب بإقراره أو الكشف عنه طلقها عليه الإمام ولا يفوض ذلك إليها هذا هو المشهور من المذهب. وروى أبو زيد عن ابن القاسم أنها توقع الطلاق دون أمر الإمام قال بعض الموثقين: والأول أصوب اه بلفظ النهاية. وهذا الخلاف الذي في العيب هو الخلاف الذي في الطلاق بالضرر أو بالإيلاء أو بالفقد أو بالعتق تحت العبد أو عسر النفقة ونحو ذلك كما في (تت) وغيره من شراح المتن، ولذا قال ابن عرفة في عيوب الزوجين أثر ما مرّ عن المتيطي ما نصه، ابن سهل: في كون الطلاق بعدم النفقة أو غيره إن أباه الزوج للحاكم أو للمرأة قولا أبي القاسم بن سراج وابن عتاب محتجاً برواية أبي زيد عن ابن القاسم من اعترض فأجل سنة فلما تمت قالت: لا تطلقوني أنا أتركه لأجل آخر فلها ذلك ثم تطلق نفسها متى شاءت بغير سلطان إلخ. وقال الجزيري بعد وثيقة الاسترعاء بالضرر ما نصه: فإذا ثبت هذا العقد وجب للمرأة الأخذ بشرطها بعد الإعذار للزوج، واختلف إن لم يكن لها شرط فقيل: لها أن تطلق نفسها كالتي لها شرط وقيل: ليس لها ذلك، وإنما ترفع أمرها إلى السلطان فيزجره ولا يطلق عليه حتى ترفع مرة أخرى فإن تكرر ضرره طلق عليه. اهـ. وبالجملة فالقول الأول في كلام الناظم هو ما رواه أبو زيد عن ابن القاسم واحتج به ابن عتاب في بعض فتاويه، وصوبه ابن مالك ورجحه ابن سهل فقف عليه فيه، وعليه عول الناظم في النفقات حيث قال: وباختيارها يقع إلخ. ووقعت نازلة من هذا المعنى في حدود الأربعين بعد المائتين والألف في امرأة غاب زوجها وأثبتت عدم النفقة فأجلها القاضي شهراً فلما تم الشهر حلفت بعدلين كما يجب وطلقت نفسها بغير أمره واعتدت وتزوجت، وبعد ذلك اطلع الإمام على فعلها فأراد فسخ النكاح محتجاً بما للمشهور ووافقه كل من شاور من فقهاء الوقت وخالفتهم في ذلك وقلت لهم: لا سبيل إلى ذلك لأن النكاح المختلف فيه يفسخ بطلاق احتياطاً للفروج ومراعاة لمن يقول بصحته، فكذلك الطلاق المختلف فيه يراعى لزومه للاحتياط، ولما مر عن أبي زيد وابن عتاب. ألا ترى أن ابن عرفة جعل كونه للمرأة مقابلاً ولم يقيده بكونه بعد إذنه لها لأن من فعل فعلاً لو رفع إلى الإمام لأسنده إليه على القول به المشار له بقول (خ) وإلاَّ فهل يطلق الحاكم أو يأمرها به ثم يحكم إلخ. ففعله ماض ولما في السماع من أن المرأة إذا تزوجته على أنه حر فإذا هو عبد فلها أن تختار قبل أن ترفع إلى السلطان. اهـ. ابن رشد: قوله لامرأته أن تختار قبل الرفع يريد أنها إن فعلت جاز ذلك إن أقر الزوج بغروره فإن نازعها فليس لها أن تختار إلا بحكم. اهـ. نقله ابن عرفة. فهذا صريح في أن ما للمشهور ليس على سبيل الشرطية في صحة الطلاق، بل إنما يطلب ذلك ابتداء. وطلاقها نفسها قبل الرفع معمول به إن وقع، بل الظاهر أنه معمول به ولو لم يقر بالضرر أو بالغرور ونحو ذلك إذ غايته أنه إذا لم يقر وادعى البحث في شهود الضرر والعيب ونحوهما بجرحة أو غيرها مكن فإن أثبت ذلك وعجزت المرأة عن الطعن فيه فالطلاق مردود لأنه لم يقع في محله الشرعي وإن عجز عن إثبات ذلك فالطلاق ماض فتوقف القاضي بعد ذلك أياماً ثم وقف على كلام القباب الذي نقله الشارح و(م) هاهنا وأن ابن رحال استظهر لزوم الطلاق، وكذا قال سيدي محمد بن عبد الصادق في شرحه على المختصر: وأن المرأة إذا طلقت نفسها من غير رفع للحاكم فلا يبطل طلاقها قال: كمن قتل قاتل وليه قبل الرفع. اهـ. فأمرها القاضي حينئذ بالبقاء تحت زوجها الثاني الذي كان عزلها منه والله أعلم.
تنبيهات:
الأول: إذا كان للرجل زوجتان فأكثر وطلبت إحداهما الانفراد بدار لأنها تتضرر بالاجتماع مع ضراتها، وزعم أنه لا يثق بها فالقول قوله ولا تجاب لما طلبت لفساد الزمان، وحينئذ فإذا سكن بين قوم صالحين فللزوج أن ينتقل بضراتها معها ولا مقال لها. نص على ذلك غير واحد من شراح المتن. وقال بعض من حشاه هو الذي عليه العمل قال: ولا فرق بين البوادي والحواضر، ويكفيه أن يخص كل واحدة ببيتها. اهـ. وبهذا كنت أحكم حين ولايتي القضاء بفاس صانها الله من كل باس، وكنت أقول للزوجة الطالبة للانفراد إن أضرت بك ضرتك فارفعيها للحاكم. اهـ.
الثاني: علم مما مر أنها لا تطلق نفسها على القول به ولا يطلقها الحاكم أيضاً على مقابله إلا بعد الإعذار للزوج فيما ثبت عليه وعجزه عن الطعن فيه، فإن طلقت نفسها أو طلق الحاكم قبل الإعذار له فقد قال ابن عبد الصادق في شرحه المذكور ما نصه: وأما الزوجة إذا أثبتت الضرر وطلقت نفسها فإن بحث زوجها بعد طلاقها في الشهود وجرحهم مثلاً فطلاقها مردود. اهـ. وكذا يقال في تطليق الحاكم عليه قبل الإعذار والله أعلم. كما استظهرناه آنفاً ونحو هذا في اختصار المتيطية فيما إذا كان لها به شرط قال فيه: وإذا طلقت المرأة نفسها دون إذن الحاكم ثم قدم الزوج لزمه ما فعلته إن كان مقراً بالشرط والمغيب، فإن أنكره وثبت الشرط المذكور بشهود الطلاق أو غيرهم لزمه أيضاً فإن جرح البينة وقد تزوجت ردت إليه.
الثالث: لابد من تكرار الضرر حيث كان أمراً خفيفاً فإن كان ضرباً فاحشاً كان لها التطليق به ولو لم يتكرر كما مر أول الفصل عن المتيطية وقول (خ) ولها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره لا يعول عليه، بل لابد من التكرار حيث كان خفيفاً كما مر. ولذا قال بعضهم: هو على حذف الصفة أي: ولها التطليق بالضرر البين أي الفاحش، والقول الثاني في النظم صريح في اشتراط التكرير إلا أن ظاهره أنه لابد من الزجر والتكرار ولو كان بيناً فاحشاً وليس كذلك كما في النقل. قال ابن عبد الصادق المذكور معترضاً على ظاهر لفظ (خ) ما نصه: والعجب كيف تطلق المرأة نفسها بالمرة الواحدة من تحويل وجهه عنها وقطع كلامه ومشاتمته إلى غير ذلك مما عدوه من الضرر بالمرة الواحدة إذ لا يخلو عنه الأزواج مع أن مسائل مبنية على ثبوت التكرار كالسكنى بين قوم صالحين وبعث الحكمين واختبارهما أمور الزوجين المرة بعد المرة قال: وقد نزلت فاحتج بعض المفتين بظاهر (خ) وخالفه غيره فعظم الأمر حتى وصل إلى أمير الوقت فحكم بأنه لابد من التكرار.
الرابع: في البرزلي: أن ابن عرفة سئل عن الهاربة عن زوجها من جبل وسلات على نحو من البريدين من القيروان وتذكر أن زوجها يضربها وتريد خصامه وتخشى على نفسها إن عادت إليه بعد الفرار أن يقتلها، فيكتب الحاكم لمن يزعج الزوج فتارة يأتي جواب المبعوث إليه بالإزعاج للخصم بخط غير معروف ولفظ غير محصل، وتارة لا يصل الجواب، وتارة يذكر أن الزوج تعصب أو فرّ ويتعذر الجواب بالكلية فيطول أمر المرأة وتريد أن تقطع على زوجها بعدم النفقة وكيف إن فرت غير ذات الزوج إلى المدينة المذكورة من الجبل المذكور وتريد التزوج وهي من ذوات الأقدار ولها ولي بالجبل المذكور فهل للحاكم أن يزوجها؟ فأجاب: حاصل أمر المرأة أنها بمحل لا تناله الأحكام الشرعية غالباً، فهو حينئذ كغائب عنها لم يترك لها نفقة أو حاضر قادر على الإنفاق وعجز عن أخذه منه كرهاً وأيّاً ما كان فللزوجة القيام بموجب التطليق للضرر وفرارها منه بعد تزويجه إياها بذلك المحل لا يبطل حقها لوجهين. الأول حرمة المقام بذلك المحل. الثاني: أن رضاها به أولاً لا يسقط قيامها به ثانياً كرضاها بإثرة عليها أولاً لا يمنع قيامها ثانياً ونحو ذلك، وأما مسألة الولي فلابد من الكتب والإعذار إليه والتلوم إن أمكن دون عسر وضرر طول وإلا سقط وزوّجها الحاكم اه باختصار. ثم ذكر عن ابن رشد نحوه قائلاً: الذي استقريته من أحوال قرى القيروان حين كنت مقيماً بها أنها لا تنالها الأحكام، فأرى أن لا تمكن الهاربة من زوجها إلى الخروج إلى القرى وإلى الجبال التي حولها نحو جبل وسلات وجبل ضراوة وجبل السرج، وقد وقع شيء من هذا وهربت امرأة فمكنها القاضي من زوجها وردها لقريتها فقتلها في الطريق. اهـ.
قلت: ومثله في الجبال التي حول فاس ونواحيها في وقتنا لتعذر الأحكام فيها فيجري حكمها على ما تقدم في جبل القيران وقراها كما شاهدناه في وقتنا هذا والله أعلم.
الخامس: قال في المتيطية: فإن ضربها وزعم أن ذلك على وجه التأديب لذنب أتته فإن كان مثله ممن يؤدب ويعتني بالأدب صدق، وإن كان ليس من أهل الأدب ولا يعتني به فعليه البينة أنه إنما ضربها لذنب تستوجب به الضرب والقول قولها حينئذ أنه ظالم لها قال: فإن أنكر ضربها جملة وقامت لها بينة به كان لها الخيار فإن قال بعد ذلك كان لذنب أتته لم يقبل قوله لإنكاره الأول قال: وفي العتبية عن مالك فيمن حلف بطلاق زوجته ليجلدنها خمسين سوطاً فإنه يمنع من ضربها وتطلق عليه، ونحوه حكى ابن حبيب في الواضحة أن من حلف بطلاق امرأته ليجلدنها أكثر من عشرة أسواط مثل الثلاثين أن السلطان يطلقها عليه إذا كان ذلك لغير شيء تستوجبه فإن لم يعلم بذلك حتى جلدها برّ في يمينه وعوقب بالزجر والسجن ولم تطلق عليه إلا أن يكون بها من الضرب آثار قبيحة لا يليق بمثلها فتطلق عليه للضرر إذا تفاحش ذلك وطلبت الفراق. اهـ.
قلت: ما لم تذنب ما تستوجب به ذلك فقد نص ابن القاسم على ما رواه حسين بن عاصم أن المرأة قد تستوجب الضرب الوجيع بالذنب ترتكبه إذا كان الذنب معروفاً. وقد تقدم ذلك أول الفصل قال: ولو حلف بطلاقها ليجلدنها عشرة أسواط ونحوها خلى بينه وبينها وقد أساء. ولا تطلق عليه يريد ويصدق في أنها صنعت ما تستوجب به ذلك لا أنه يكون له ذلك دون سبب، وكذلك من حلف بحرية عبده ليضربنه ضرباً يسيراً دون شيء أذنبه لم يمكن منه. وقال ابن أبي زيد: يمكن من ذلك وهو بعيد ولا يصح أن يقال ذلك في الحرة قال: ومن هذا المعنى لو حلف بطلاق امرأته الأخرى أو بحرية عبده ليجلدن هذه خمسين سوطاً فإن السلطان يحنثه إلا أن يثبت عليها أنها فعلت ما تستوجب به ذلك ولو كانت يمينه على ذلك بالله أو بصيام أو بمشي وشبهه مما لا يقضي به فأبت المرأة أن تذهب معه مخافة أن يضربها ليسقط عن نفسه ما حلف عليه، فلها ذلك من أجل أنه لا يؤمن عليها ويطلقها الحاكم طلقة بائنة. اهـ. وسئل سحنون عن المرأة تشتكي أن زوجها يضربها وبها أثار ضرب ولا بينة على معاينة ضربه قال: يسئل عنها جيرانها فإن قالوا شأنه لا ينزع عن ظلمها أدبه وحبسه فإن سمع الجيران الصياح منها ولم يحضروا ضربه إياها أدبه أيضاً لأن هذه الآثار لو كانت من غيره لشكا هو ذلك وأنكره. اهـ. فعلم منه أن العشرة أسواط فما دونها من الخفيف الذي لابد فيه من التكرار حيث ادعى هو ما يوجب ذلك، وهذا ما لم تحصل منه آثار قبيحة كما مرّ.
السادس: قول الناظم تثبت الضرر أي في بدنها كما مر، وأما إن أضر بها في مالها ولم يكن لها عليه فيه شرط نهي عن ذلك وأغرم ما أخذه منه فإن عاد بعد النهي عاقبه السلطان ولم يطلق عليه، وإن تكرر إضراره. اهـ. وقد تحصل أنه إن أضر بها في بدنها فلها التطليق من غير رفع للحاكم إذا كان لها به شرط وثبت الضرر عند الحاكم ولم يجد الزوج فيه مطعناً وإن لم يكن لها به شرط فقولان. أصحهما لابد من الرفع فإن طلقت نفسها بدون رفع مضى طلاقها كما مر، وحيث كان الضرر في بدنها فالكلام لها وإن سفيهة مولى عليها ولا كلام لوليها إلا بتوكيل منها وإن كان الضرر في مالها فالكلام له لا لها والله أعلم.
السابع: إذا اشترطت عليه الزوجة أن لا يغيب عنها نصف سنة مثلاً وإن فعل فأمرها بيدها فغزا العدو في عسكر مأمون يمكنه الرجوع منه قبل انقضاء مدة المغيب فهزم الجيش وأسر الزوج حتى مضى الأجل المعلق عليه فلا خيار لها لأنه معذور، وكذا إن مرض أو سجن سجناً لا يقدر على دفع موجبه أو منعته فتنة أو فساد طريق حتى مضى الأجل بخلاف ما لو غزا في سرية فأسر أو سافر في بحر فتعذرت الرياح فينبغي أن لا يعذر لأنه غر بنفسه. انظر المتيطية وابن عرفة في مبحث الشروط.
وَإنْ ثُبُوتُ ضَرَرِ تَعَذَّرَا ** لِزَوْجَةٍ وَرْفعُهَا تَكَرَّرَا

(وإن) شرط (ثبوت ضرر) فاعل بفعل محذوف يفسره (تعذرا) أي وإن تعذر ثبوت ضرر في إقامة البينة عليه (لزوجة) يتعلق به. ورفعها) مبتدأ خبره (تكررا) والجملة حال أي والحال إن رفعها للحاكم شاكية به تكرر.
فَالحَكَمَانِ بَعْدُ يُبْعَثَانِ ** بَيْنَهُمَا بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ

(فالحكمان) مبتدأ (بعد) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (يبعثان) بضم الياء مبنياً للمفعول (بينهما) يتعلق بالمبتدأ المذكور، والجملة جواب الشرط أي فالحكمان بينهما يبعثان بعد تكرار شكواها، وسؤال القاضي جيرانها عن أمرها إن كان فيهم عدول وأسكنها معهم وعمي أمرها. قال ابن سهل: إذا شكت الزوجة ضرر زوجها فالواجب أن تسئل بيان ضررها فلعله منعها من الحمام وتأديبها على ترك الصلاة فإن بينت ضرراً لا يجوز وقف عليه زوجها فإن أنكره أمرها بالبينة فإن عجزت وتكررت شكواها كشف القاضي عن أمرها جيرانها إن كان فيهم عدول فإن لم يكونوا فيهم أمر القاضي بإسكانها بموضع يكون له جيران عدول فإن كان من ضرره ما يوجب تأديبه أدبه وإن كان لها شرط في الضرر أمر لها بالأخذ به وإن عمي خبرها بعث الحكمين اه من ابن عرفة.
تنبيه:
ظاهر كلامه ككلام الناظم وابن سلمون وغيرهم أنه لا يجب على الزوج ضمان الضرر حيث أمرهما بالإسكان مع قوم صالحين فما يفعله القضاة اليوم من إلزامه بذلك وسجنه إن لم يجده خطأ صراح إذ لا مستند له فيما علمت على أن الضرر لا يمكن استيفاؤه من ضامنه فإن كان المراد به ضامن الطلب كما قال (خ) وبالطلب وإن في قصاص إلخ. فإنه يجب أن يبين ذلك للزوج وأنه إن عجز عنه لا يسجن لأجله إذ لا يسجن أحد فيما يترقب ثبوت ما يوجبه الحكم عليه. ولم أقف على من قال به، وأما ضامن الفرض فهو من ضمان ما هو آيل للزوم كما قال (خ) بدين لازم أو آيل لكن لا يلزم إعطاء الضامن به بحيث إذا عجز عن إعطائه يسجن لأجله، وإنما معنى كلام الأئمة إذا طاع المضمون عنه به صح الضمان، ولم أقف أيضاً على من قال بإلزام الزوج بذلك قبل ترتب الفرض المذكور في ذمته، إذ لا يصير ديناً عليه قبل مضي زمنه، وحينئذ فلا يسجن لعجزه عن الضامن قبل ترتبه عليه ما لم يرد سفراً فيطلب بالكفيل حينئذ فإن فر طلقت عليه بعدم النفقة أو يباع ماله فيها إن كان له مال. ولا يقال المرأة لا يلزمها أن تمكنه من الاستمتاع إلا بضامن في نفقتها لأن الاستمتاع في مقابلة النفقة فيكون ذلك من باب قول (خ) وداين فلاناً ولزم فيما ثبت إلخ. لأنا نقول إنما يكون لها منعها من نفسها إذا ثبت الضرر وأرادت القيام به كما مرّ والفرض هاهنا أنه لم يثبت ومنعها من الاستمتاع حتى يعطيها ضامناً بنفقتها المستقبلة خلاف ظاهر كلام الأئمة، وخلاف ظاهر قول (خ) وليس لها منع نفسها وإن منعته من الدخول والوطء بعده إلخ. فإذا لم يكن لها منع نفسها فيما وجب لها الآن فأحرى فيما يجب في المستقبل فما يفعله القضاة اليوم من سجنه بالعجز عن ضامن الفرض المذكور لا مساعد له نقلاً. وانظر (ح) عند قوله في النكاح: أو على شرط يناقض المقصود يتبين ما ذكرناه، وانظر أيضاً عنه قوله في النفقات ولها طلبه بنفقة المستقبل إلخ. (بمقتضى) يتعلق بالخبر المتقدم (القرآن) أي حكماً من أهله وحكماً من أهلها.
إنْ وُجِدَا عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِمَا ** وَالْبَعْثُ مِنْ غَيْرِهِما إنْ عُدِمَا

(إن وجدا) شرط فيما قبله حذف جوابه للدلالة عليه (عدلين) حال من نائب وجدا لأن الظاهر أنها لا تتعدى لاثنين هاهنا (من أهلهما) حال بعد حال (والبعث) مبتدأ (من غيرهما) خبر أي كائن من غير أهلهما (إن عدما) بالبناء للمفعول شرط حذف جوابه للعلم به. وحاصله؛ أن المرأة إذا تكررت شكواها بضرر زوجها فإن الحاكم يأمر جيرانها بتفقد أحوالها فإن لم يكن في الجيران من تجوز شهادته سكنهما بين قوم صالحين ولا تنقل للحاضرة كما مرّ أول الفصل، وكذا الحكم إن تكررت شكواه بها فإن شهد الجيران الذين تجوز شهادتهم أو القوم الصالحون الذين سكنوا بينهم بضرره بها فهو ما مر قبل هذه الأبيات. وإن لم يشهدوا بشيء لكونهم أشكل عليهم أمرهما ولا زالت الزوجة تشتكي الضرر فإن الحاكم حينئذ يبعث حكمين فقيهين بذلك الأمر الذي ينظران فيه عدلين من أهلهما فإن عدم وجودهما من أهلهما أو وجدا ولكن كانا غير فقيهين أو غير عدلين أو عدلين فقيهين، ولكن تعذر بعثها بعث حكمين فقيهين عدلين من غير أهلهما فيدخلان عليهما المرة بعد المرة ويجتهدان في الإصلاح بينهما، ويخلو كل منهما بصاحبه إن كانا من أهلهما ويقول له: ما تنقم منها أو منه وإن كان لك غرض فيها رددناها إليك صاغرة أو رددناه ويذكرانهما (خ): وسكنهما بين قوم صالحين إن لم تكن بينهم وإن أشكل أي دام الإشكال بعث حكمين من أهلهما إن أمكن وبطل حكم غير العدل إلى أن قال: وعليهما الإصلاح فإن تعذر فإن أساء الزوج طلقا بلا خلع، وبالعكس ائتمناه عليها أو خالعا له بنظرهما وإن أساء فهل يتعين الطلاق بلا خلع أو لهما أن يخالعا بالنظر وعليه الأكثر تأويلان إلخ. وانظر لو دام الإشكال بعد بعث الحكمين وطال الأمر ولا زالت الشكوى مترددة هل يخالعان بالنظر حيث لم تطلب عشرتهما أو يأتمناه عليها أو يرسل حكمين آخرين أو أمينة، إذ ربما لم يتبين للحكمين الأولين حالهما لتقصيرهما أو لعدم معرفتهما بالقرائن، إذ الضرر مما يعتمد فيه على الفراش ولا يعرفها إلا الفطن الناقد. وهذا هو الظاهر. وقوله: وبالعكس ائتمناه عليها أي ما لم يرد فراقها وإلا فرقا ولا شيء لها من المهر، بل لو حكما عليها بأكثر من المهر جاز إن كان سداداً نقله ابن عرفة.
وَمَا بِهِ قَدْ حَكِمَا يُمْضىوَلا ** إعْذَارَ لِلزَّوْجَيْنِ فِيمَا فَعَلاَ

(وما) مبتدأ موصول (به) يتعلق بالصلة التي هي (قد حكما) وقوله: (يمضى) بالبناء للمفعول خبر ويحتمل أن يكون بفتح الياء وكسر الضاد مبنياً للفاعل بمعنى ينفذ (ولا) نافية للجنس (إعذار) اسمها (للزوجين) خبرها (فيما) يتعلق بالاستقرار في الخبر (فعلا) صلة ما والعائد محذوف أي فعلاه. ابن عرفة عن الباجي: وحكمهما على وجه الحكم لا الوكالة فينفذ وإن خالف مذهب من بعثهما جمعاً أو فرقاً. ابن شاس وقيل: بل هما وكيلان. ابن عرفة: ودلالة ابن الحاجب على عدم نفوذه على القول بالوكالة لا أعلمه في المذهب بحال، بل الجاري عليه غير ذلك حسبما يأتي إن شاء الله. اهـ. وفي المقدمات لا إعذار لأحد الزوجين فيما حكم به الحكمان لأنهما لا يحكمان بالشهادة القاطعة، وإنما يحكمان بما خلص إليهما من علم أحوالهما بعد النظر والكشف نقله (م) ونقله ابن عرفة بلفظ: لأنهما لا يحكمان في ذلك بالبينة القاطعة، ومعناه والله أعلم أن الشارع جعل لهما أن يستندا لعلمهما فيما حكما به فليسا بشاهدين عند الغير بما علما حتى يعذر فيهما وإلاَّ فكل شاهد إنما يشهد بما خلص إليه من أمر المشهود به، وفيه الإعذار على كل حال، وهذا على القول الأول، وأما على الثاني فإنهما نائبان عن القاضي كالموجهين للتحليف والحيازة ونحوهما فلا إعذار أيضاً كما مر، وفهم من قوله: حكماً إلخ. أنه لو انفرد أحدهما بالحكم بالطلاق أو بغيره لم ينفذ ولو اجتمعا عليه بعد وهو كذلك كما في ابن عرفة عن اللخمي وإن اجتمعا على الطلاق واختلفا في كونه على مال معلوم أو بلا شيء فإن لم تلتزم الزوجة للمال فلا طلاق وإن أوقعا أكثر من طلقة واحدة فلا تلزم إلا الواحدة.